التنمية المحلية المستدامة كسبيل للحوار الوطني
( من اجل الحصول على مواطن ناضج صالح .. عليك تعليمه ليكون كذلك في ظل مؤسسات قوية ونافعة وتشاركية )
DOI:
https://doi.org/10.58298/2022107Keywords:
التنمية, الحوار الوطني, المواطن, مؤسساتAbstract
اثبتت التجارب الدولية بأن الحقبة الاولى من التحول بإتجاه الديموقراطية بعد فترات زمنية ليست بالقصيرة من الحكومات الاطلاقية ، تكون ذات طبيعة غير مستقرة وعنفية في الكثير من الاحيان ففي يوغسلافيا السابقة على سبيل المثال وبعد اول انتخابات وطنية على اثر زوال النظام الشيوعي بدأت البنادق بإطلاق رصاصاتها بين ابناء الوطن .. وفي بورندي حدثت اثار دامية راح ضحيتها عشرات الالاف من الابرياء بعد اجراء اول انتخابات في تاريخ البلاد .. كذلك لن تخلو الثورات العربية التي اجرت انتخاباتها في مناخات حرة وصريحة من العنف من اعقابها .
مرد ذلك يعود من وجهة نظر العديد من المهتمين في الشأن السياسي ودراسات التحول الديموقراطي المقترن بالعنف في اعقابه الى فقدان اسس ( السلام الديموقراطي ) الذي يأتي في اطار مؤسسات قوية تضع السلطة في يد الناخب وتكسبه المقدرة على مساءلة صناع القرار في دولته الذين يدخلون في نزاعات بينية قد تصل الى حد التوتر الشديد ولي الاذرع لكنها لن تتطور الى العنف والحروب الاهلية جراء وجود عملية تشريعية تؤسس لاجراءات قانونية لفض الصراع ؛ وامكانية تحقيق نتائج ايجابية في حال دخول تلك الاطراف في حوارات ثنائية او حوار وطني شامل.. الامر الذي تفتقده دول التحول الديموقراطي السريع ذات المؤسسات الضعيفة غير القادرة على وضع السلطة في يد الناخب.
المؤسسات الهشة وعلاقات المشاركة والعنف :
في احدى كتاباته يشير صموئيل هانتنغتون الى الطلب المتزايد على المشاركة السياسية في اعقاب التحول الديموقراطي جراء اطلاق العنان للمواقف الشعبية التي قمعتها النظم الاستبدادية القائمة في حقبة ما قبل الدخول في مضمار التحول المذكور؛ ما يمهد الطريق لظهور مجموعات ( اثنية, دينية, عشائرية, ..الخ ) كانت بعيدة عن ممارسة السلطة للمكافحة في ظل الوضع الجديد للسيطرة على مقاليد الامور ومفاصل الدولة.. تقابلها مجموعات اخرى تكافح بنفس الطريقة للحصول على ذات المغانم في ظل مؤسسات هشة غير قادرة على ( تقديم المعلومات والدعم ) المفضي الى الدخول في دورات لسياسات عامة ناضجة ومتوازنة تخدم الجميع, وتوجه الطلبات المتزايدة للمشاركة لتحقيق المصلحة العليا لبلاد وتأخذ بالبعد الاجتماعي في التشريع لمواجهة ( الانحطاط السياسي*) وضمان قدرة المؤسسات على مقاومة عدم الاستقرار ..
وفي مثل هذه الحالة تقتنص بعض المواقف الشعبية الفرصة للسيطرة على الامور كما حدث في يوغسلافيا السابقة حين شاهد (ميلوسيفيتش**ابن النظام السياسي اليوغسلافي ) انهيار ذلك النظام وبروز قوى جديدة تسعى للمشاركة في ادارة الحكم ليجد نفسه امام حقيقة الدخول في الانتخابات الممهدة للانتقال الديموقراطي.. ما جعله يبتكر وسيلة العزف على وتر العرقية وتسخير الميديا للتبشير بمعزوفته التي ركزت عللى الشبكات الاجتماعية سهلة التدافع للحصول على مبتغياتها حتى وان تجاوزت ابعاد المصلحة السياسية ما احدث المأساة في يوغسلافيا ودلل على صعوبة ابقاء السياسيين مسؤولين عن قول الحقيقة والاعتدال كما هو الحال في الديموقراطيات الراسخة, جراء استغلال ( ميلوسيفيتش) لهشاشة المؤسسات وانشاء قنواته الخاصة المثيرة للانقسام.. ما سمح بتغليب لغة الصراع على لغة الحوار الوطني المنشود .
الحوار الوطني والابعاد الاجتماعية :
اوضحنا فيما سلف كيف تسهم هشاشة المؤسسات في تصاعد حدة التنازع بين المواقف الشعبية المختلفة التي تكافح من اجل المشاركة بإدارة الحكم .. الامر الذي يحتاج الى عمل طويل الاجل لتقوية المؤسسات الاجتماعية بما يخدم المصلحة الوطنية ويحول سلوكيات القوى المتدافعة نحو علاقات التعاون والتاّزر وبناء الدولة على اساس تشاركية ترتكز على قوانين ذات رؤية تنموية مقاسة الاثر، ومؤسسات رصينة قادرة على حماية النظام ووضع السلطة في يد الناخب. في مهمة وطنية ليست باليسيرة الإنشاء ولابالعسيرة النجاح في اّن واحد اذا ما جاءت النوايا لخدمة الصالح العام .. من خلال مسار ( الحوار الوطني الناضج والفعال ) .. الذي يبدأ اولى مهماته في منافسات بسيطة ثم تتطور لتتعلق بالتفكير المعمق للوصول الى امر مشترك يتفق عليه الافرقاء للبدء بسياسة عامة وعمل عام تخدم قيم المواطن اينما كان على خريطة الوطن ؛ وتخلق اتجاهاً مشتركا للجمهور. ذلك لأنه فكرة اشراك المواطن فيما يجري على ارض وطنه امر بالغ الاهمية . للتغلب على حالة عدم اليقين ذات الاثر البالغ في تعقيد النزاعات وصعوبة حلّها..وهو مايحتاج الى السير (قبل الشروع في الحوار الوطني) نحو مضمار تنمية المجتمعات المحلية التي تعرّفها الاسكوا على انها "عملية مستدامة تستهدف اكبر عدد من المؤسسات والجماعات والافراد للمشاركة فيها بهدف احداث تغيير ايجابي في الاوضاع الاجتماعية, الاقتصادية, السياسية, والثقافية في عملية تغيير ارتقائي منظم للنهوض الشامل المتكامل لجميع نواحي الحياة في المجتمع المحلي يقوم بها ابناؤه بنهج تشاركي ديموقراطي, بتكاتف المساعدات من خارجه" .
لما للعملية التنموية المذكورة من سمات ايجابية تخدم الحوار الوطني كونها :-
"عملية تغيير مخططة تقوم على التشارك بتكاملية شاملة منفتحة وتشبيكية ".
بما يخدم مراحل الحوار الثلاث فيما بعد:-
- التمهيد / بناء الثقة .
- بناء التوافق / التوصل الى اتفاق .
- وتنفيذ الاتفاق / تحمل المسؤولية .
لان الحوار في حد ذاته عملية تشاركية يتم الارتكاز في تعزيزها على مجتمع التنمية المحلية وكذلك عملية تعليمية تحتاج الى مخرجات المنهج التنموي المذكور ؛ فضلاً عن كونها عملية أنسانية تستند الى وعي الناس الذي يبنيه لديهم عمال التنمية المحلية ؛ توصف بأنها ( طويلة الامد ) لأن تغيير السلوكيات الذي تقوم به التنمية المحلية من واقعها السلبي المنكفئ الى الداخل الى واقع ايجابي منفتح على الجميع بحتاج الى فترة من الزمن .. وعمل متواصل في الساحات, والحقول, والمصانع, والمدارس, واماكن العبادة, ووسائل الاعلام لإحداث نقلة في انساق القيم السائدة بما يخدم نجاح الحوار الوطني من خلال جملة من الاجراءات التي منها :-
- تطوير قوانين الانتخابات
- تحسين نظام التربوي والصحي,
- التخفيف من حدة الخلاف العقائدي
- الشروع في سياسات اقتصادية فاعلة
- توفير فرص عمل...
للارتقاء بالتشاركية في ادارة الحكم . عليه فالحوار الوطني, والتنمية المحلية صنوان لا يمكن فصل احدهما عن الاخر .. من اجل بناء مجتمعات تشاركية حرة قائمة على اعمال اهداف التنمية المستدامة مرتكزة على التطبيق الناجز لمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان وما جاءت به الشرائع من فضائل في تكريم البشر .
* ويعني الهبوط والانحدار، فلا الدساتير تُحترم، ولا القوانين يعمل بها، ولا الاتفاقيات التي تُبرم بين الأطراف المتنازعة تُحترم، وتكون فيصلا عند النزاع والخلاف، بل إن الغلبة للمتقوّي بالداعم المتدخل في شأن هذه الدولة أو تلك.
** هو سياسي يوغوسلافي وصربي راحل وكان رئيس صربيا ، متهم بالفساد والابادة الجماعية ( 20 أب 1941 – توفي 11 اذار2006)Downloads
Published
Issue
Section
License
This is an Open Access article distributed under the terms of the creative commons attribution (CC BY) 4.0 international license which permits unrestricted use, distribution, and reproduction in any medium or format, and to alter, transform, or build upon the material, including for commercial use, providing the original author is credited.